كبر النبي صلى الله عليه وسلم وبدأ يتعب والمصائب والابتلاءات كانت كثيرة وها هو في الثالثة والستين من عمره وقد كاد أن يتم الله له الرسالة، وها نحن نتذكر معا أنه توفّي أبوه وأمه وسبعة من أبنائه وأحزانه كانت كثيرة بملء العمر، لكنه رغم ذلك كان يُعلِّم الناس ويجاهد وكان دائم البِشر وكان ضحاكا في بيته وكان يخرج مع السيدة عائشة للخلاء ويقول سابقيني يا عائشة، ثم يعود ويطعمها اللحم لمدة أسبوع ليزيد وزنها ثم يعود ويقول لها سابقيني يا عائشة ويسبقها ويقول لها هذه بتلك..!!
لكنه وقد بلغ هذا العمر وبعد كل هذا الجهاد وهذه الأحزان أصبح جسده البشري لا يقوى على الصلاة قائما وكان يصلي جالسا، وحدث أن دخل عليه سيدنا عمر وقال له: "شُيِّبت يا رسول الله"، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: "نعم يا عمر شيَّبتني سورة هود"، فقال له: "لِم يا رسول الله؟"، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قول الله: {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}..
ويخرج النبي صلى الله عليه وسلم لحجة الوداع حيث نزلت أواخر آيات القرآن: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً}.. وأول ما نزلت رأى الصحابة سيدنا أبا بكر الصديق يبكي فقالوا له: "ما يبكيك يا أبا بكر؟" فيقول: "هذا نعي رسول الله".. ويرجع النبي صلى الله عليه وسلم ولكن قبل وفاته بتسعة أيام تتنزل آخر آيات القرآن: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: "أريد أن أزور شهداء أُحُد" ويذهب ويقف أمامهم ويقول: "السلام عليكم يا شهداء أُحُد.. السلام عليك يا حمزة بن عبد المطلب.. أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون"..
وفي أثناء عودته ظل النبي صلى الله عليه وسلم يبكي ثم قال: "اللهم بلغني أحبابي" فقال الصحابة رضي الله عنهم: "أوَلسنا أحبابك يا رسول الله؟"، قال صلى الله عليه وسلم: "أنتم أصحابي, أما أحبابي فأقوام يأتون بعدي آمنوا بي ولم يروني، من يفعل فيهم عُشرَ ما تصنعون فله أجر سبعين رجلاً منكم"، فقالوا: "يا رسول الله منّا أم منهم؟"، قال: "بل منكم أنتم؛ فإنكم تجدون على الحق أعواناً وهم لا يجدون على الحق أعواناً".
ويرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ويشتد عليه المرض.. بدأ يشعر بالصداع الشديد فتعصَّب بالعصابة ومن شدة الصداع كانوا يجدون الحرارة فيها من شدة الألم، وبدأ يتألّم ويقول: "وارأساه.. وارأساه".. وكان في بيت السيدة "ميمونة" فقال: "اجمعوا لي زوجاتي"؛ فتجمعن له فقال: "أتأذنون لي أن أمرض في بيت عائشة؟"؛ فقلن: نعم يا رسول الله، وأراد أن يقوم فما استطاع، فجاء إليه سيدنا علي رضي الله عنه والفضل بن العباس فحملا النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت السيدة عائشة، وعند خروجه كان الناس لأول مرة يرون النبي صلى الله عليه وسلم محمولا بهذا الشكل، فأخذ الناس يتجمَّعون في المسجد ويبيتون فيه، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت السيدة عائشة، تقول السيدة عائشة:
"لم أرَ أحدا يعرق مثلما عرق النبي صلى الله عليه وسلم في موتِه؛ فأخذت يد النبي صلى الله عليه وسلم أمسح بها وجهه وتقول لأن يد النبي صلى الله عليه وسلم أكرم من يدي..".
ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا إله إلا الله إن للموت لَسَكرات".. ثم قال: "ما هذه الأصوات التي أسمعها في المسجد"، فقالوا: "يخافون عليك يا رسول الله"، فقال: "احملوني إليهم"؛ فحملوه فصعد إلى المنبر وأخذ يستعد ليخطب الخطبة قبل وفاته فسكت الناس جميعا وقال: "أيها الناس إنكم تخافون عليّ؟ فقالوا نعم.. فقال: "أيها الناس موعدكم معي ليس الدنيا موعدكم معي عند الحوض والله لكأنني أنظر إليه من مقامي هذا.. أيها الناس والله لا أخشى عليكم الفقر ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم.. الله الله في الصلاة.. الله الله في الصلاة.. أيها الناس استوصوا بالنساء خيرا.. أيها الناس أوصيكم بالأنصار خيرا فإن الناس يزيدون والأنصار يقلُّون.. أيها الناس من كنتُ جلدت له ظهرا فهذا ظهري فلتستقد (فليقتصّ) منه.. ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فلتستقد (فليقتصّ) منه.. ومن كنت أخذت منه مالا فهذا مالي فليأخذ منه.. ثم وقف يقول: إن عبدا خيّره الله بين الدنيا وبين لقاء الله فاختار لقاء الله.."؛ فلم يفهم أحد ما يقصده النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو بكر ففهم أنه يقصد نفسه فإذا بأبي بكر يقف ويقول: فديتك بأبي.. فديتك بأمي.. فديتك بزوجي.. فديتك بولدي".. والصحابة ينظرون إلى أبي بكر بشيء من الضيق؛ لأنه قاطع النبي؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس فما منكم من أحد كان له عندنا من فضل إلا كافأناه به إلا أبو بكر فلم أستطع مكافأته فتركت مكافأته إلى الله تعالى عز وجل؛ كل الأبواب إلى المسجد تُسَد إلا باب أبي بكر لا يُسد أبدا".
ثم أخذ يدعو لهم ويقول: "نصركم الله أيدكم الله حفظكم الله قواكم الله"، ثم قال آخر كلمة قبل أن ينزل من المنبر:
"أيها الناس أقرِءوا مني السلام كلَ مَن تبِعني من أمتي إلى يوم القيامة..."
لكنه وقد بلغ هذا العمر وبعد كل هذا الجهاد وهذه الأحزان أصبح جسده البشري لا يقوى على الصلاة قائما وكان يصلي جالسا، وحدث أن دخل عليه سيدنا عمر وقال له: "شُيِّبت يا رسول الله"، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: "نعم يا عمر شيَّبتني سورة هود"، فقال له: "لِم يا رسول الله؟"، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قول الله: {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}..
ويخرج النبي صلى الله عليه وسلم لحجة الوداع حيث نزلت أواخر آيات القرآن: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً}.. وأول ما نزلت رأى الصحابة سيدنا أبا بكر الصديق يبكي فقالوا له: "ما يبكيك يا أبا بكر؟" فيقول: "هذا نعي رسول الله".. ويرجع النبي صلى الله عليه وسلم ولكن قبل وفاته بتسعة أيام تتنزل آخر آيات القرآن: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: "أريد أن أزور شهداء أُحُد" ويذهب ويقف أمامهم ويقول: "السلام عليكم يا شهداء أُحُد.. السلام عليك يا حمزة بن عبد المطلب.. أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون"..
وفي أثناء عودته ظل النبي صلى الله عليه وسلم يبكي ثم قال: "اللهم بلغني أحبابي" فقال الصحابة رضي الله عنهم: "أوَلسنا أحبابك يا رسول الله؟"، قال صلى الله عليه وسلم: "أنتم أصحابي, أما أحبابي فأقوام يأتون بعدي آمنوا بي ولم يروني، من يفعل فيهم عُشرَ ما تصنعون فله أجر سبعين رجلاً منكم"، فقالوا: "يا رسول الله منّا أم منهم؟"، قال: "بل منكم أنتم؛ فإنكم تجدون على الحق أعواناً وهم لا يجدون على الحق أعواناً".
ويرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ويشتد عليه المرض.. بدأ يشعر بالصداع الشديد فتعصَّب بالعصابة ومن شدة الصداع كانوا يجدون الحرارة فيها من شدة الألم، وبدأ يتألّم ويقول: "وارأساه.. وارأساه".. وكان في بيت السيدة "ميمونة" فقال: "اجمعوا لي زوجاتي"؛ فتجمعن له فقال: "أتأذنون لي أن أمرض في بيت عائشة؟"؛ فقلن: نعم يا رسول الله، وأراد أن يقوم فما استطاع، فجاء إليه سيدنا علي رضي الله عنه والفضل بن العباس فحملا النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت السيدة عائشة، وعند خروجه كان الناس لأول مرة يرون النبي صلى الله عليه وسلم محمولا بهذا الشكل، فأخذ الناس يتجمَّعون في المسجد ويبيتون فيه، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت السيدة عائشة، تقول السيدة عائشة:
"لم أرَ أحدا يعرق مثلما عرق النبي صلى الله عليه وسلم في موتِه؛ فأخذت يد النبي صلى الله عليه وسلم أمسح بها وجهه وتقول لأن يد النبي صلى الله عليه وسلم أكرم من يدي..".
ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا إله إلا الله إن للموت لَسَكرات".. ثم قال: "ما هذه الأصوات التي أسمعها في المسجد"، فقالوا: "يخافون عليك يا رسول الله"، فقال: "احملوني إليهم"؛ فحملوه فصعد إلى المنبر وأخذ يستعد ليخطب الخطبة قبل وفاته فسكت الناس جميعا وقال: "أيها الناس إنكم تخافون عليّ؟ فقالوا نعم.. فقال: "أيها الناس موعدكم معي ليس الدنيا موعدكم معي عند الحوض والله لكأنني أنظر إليه من مقامي هذا.. أيها الناس والله لا أخشى عليكم الفقر ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم.. الله الله في الصلاة.. الله الله في الصلاة.. أيها الناس استوصوا بالنساء خيرا.. أيها الناس أوصيكم بالأنصار خيرا فإن الناس يزيدون والأنصار يقلُّون.. أيها الناس من كنتُ جلدت له ظهرا فهذا ظهري فلتستقد (فليقتصّ) منه.. ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فلتستقد (فليقتصّ) منه.. ومن كنت أخذت منه مالا فهذا مالي فليأخذ منه.. ثم وقف يقول: إن عبدا خيّره الله بين الدنيا وبين لقاء الله فاختار لقاء الله.."؛ فلم يفهم أحد ما يقصده النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو بكر ففهم أنه يقصد نفسه فإذا بأبي بكر يقف ويقول: فديتك بأبي.. فديتك بأمي.. فديتك بزوجي.. فديتك بولدي".. والصحابة ينظرون إلى أبي بكر بشيء من الضيق؛ لأنه قاطع النبي؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس فما منكم من أحد كان له عندنا من فضل إلا كافأناه به إلا أبو بكر فلم أستطع مكافأته فتركت مكافأته إلى الله تعالى عز وجل؛ كل الأبواب إلى المسجد تُسَد إلا باب أبي بكر لا يُسد أبدا".
ثم أخذ يدعو لهم ويقول: "نصركم الله أيدكم الله حفظكم الله قواكم الله"، ثم قال آخر كلمة قبل أن ينزل من المنبر:
"أيها الناس أقرِءوا مني السلام كلَ مَن تبِعني من أمتي إلى يوم القيامة..."